أخبار ونشاطات قسم التوجيه والإرشاد

قائمة الأقسام

تمرّ على الأمّة الإسلامية اليوم الخامس عشر من شهر رجب الحرام ذكرى أليمة على قلوب الموالين والمحبّين لآل البيت(عليهم السلام) ألا وهي رحيل عقيلة بني هاشم السيدة الصدّيقة الصغرى زينب(عليها السلام)، هذه السيدة العظيمة التي كانت زينة أبيها أمير المؤمنين وثمرة أمّها الزهراء(عليهما السلام) فقد عرفت بوقارها وعظمة شخصيتها كجدّتها خديجة(عليها السلام)، وفي حيائها وعفّتها كأمّها الزهراء(عليها السلام)، وفي بلاغتها وفصاحتها كأبيها علي(عليه السلام)، وفي حلمها وصبرها كأخيها الحسن(عليه السلام)، وفي شجاعتها ورباطة جأشها كأخيها الحسين(عليه السلام).
وعند ولادتها المباركة سارع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى بيت بضعته وهو خائر القوى حزين النفس، فأخذها ودموعه تتبلور على سحنات وجهه الكريم، وضمّها إلى صدره وذلك لعلمه(صلى الله عليه وآله) بما سيجري عليها من الرزايا القاصمة التي تذوب من هولها الجبال، وسوف تُمتحن بما لم تُمتحن به أيّ سيّدةٍ من بنات حواء.
من أبرز فضائلها النفسيّة وكمالاتها الأخلاقية زهدُها في الدنيا، فقد نبذت جميع زينتها ومباهجها مقتديةً بأبيها الذي طلّق الدنيا ثلاثاً لا رجعة له فيها، ومقتديةً بأمّها سيدة نساء العالمين الحوراء الإنسيّة(عليها السلام)، فقد كانت فيما رواه المؤرّخون لا تملك في دارها سوى حصير من سعف النخيل، وجلد شاة، وكانت تلبس الكساء من صوف الإبل وتطحن بيدها الشعير، إلى غير ذلك من صنوف الزهد والإعراض عن الدنيا.
من ألقابها(عليها السلام): (عقيلة بني هاشم, العالمة, عابدة آل علي, الكاملة, الفاضلة، أمّ المصائب، عقيلة قريش، نائبة الزهراء، بطلة كربلاء، كعبة الرزايا، كعبة الأحزان، كافلة الأيتام، العقيلة الكبرى، وليّة الله العظمى، الصدّيقة الصغرى، الآمرة بالمعروف، محبوبة المصطفى، قرّة عين المرتضى، عقيلة خدر الرسالة، رضيعة ثدي الولاية، الغيورة على الدين، الخالصة في المودّة، الممتحنة الصابرة..)، تزوّجها ابنُ عمّها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ورُزِق هذا السيّد الجليل من الحوراء زينب(عليها السلام) كوكبةً من الأعلام هم: (عون ومحمد -وقد استشهدا في يوم عاشوراء مع أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)-, عباس, علي, السيدة أمّ كلثوم).
لقد كان لها(عليها السلام) الدور الكبير والبارز في نهضة أخيها الإمام الحسين(عليه السلام)، ولم تكن البراعة والاسترسال في القول إلّا ممّا انطبع فيها من النفسية القويّة والملكة الفاضلة الممتزجة بثبات الجأش وطمأنينة النفس والشجاعة -وما شئت فسمِّ وإلّا فهي فوق ذلك-، وما خطبتها في الكوفة والشام التي كانت تلقيها بين تلك المحتشدات الرهيبة أو قُلْ بين الناب والمخلب غير متعتّمة ولا متلعثمة وهي تقذفها كالصواعق على مجتمع خصومها، فكانت أعمالها وخطبها الجزء الأخير للعلّة من نهضة الحسين(عليه السلام) وأظهرت تمام الفضيحة للأمويّين بما نشرته بين الملأ من صحيفتهم السوداء حتى ضعضعت عرش دولتهم وفكّكت عرى سلطانهم وألصقت بهم العار مدى الدهر، فكانت شريكة الإمام الشهيد(عليه السلام) في هذه الفضيلة وصوته الهادر لزعزعة عروش الطغاة.
ولم تمكث العقيلة بعد كارثة كربلاء إلّا زمناً قليلاً حتى تناهبت الأمراض جسمها، وصارت شبحاً لا تقوى حتى على الكلام، ولازمت الفراش وهي تُعاني آلام المرض، وكان أشقّ شيء عليها هو ما جرى لها من الرزايا والخطوب في طفّ كربلاء التي كانت ماثلةً أمامها حتى الساعات الأخيرة من حياتها.. وقد وافتها المنيّة ولسانها يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه. وقد صعدت روحها الطاهرة إلى السماء كأسمى روح صعدت إلى الله تحفّها ملائكة الرحمن، وتستقبلها أنبياءُ الله وهي ترفع إلى الله شكواها، وما لاقته من المحن والخطوب التي لم تجرِ على أيّ إنسان منذ أن خَلَقَ اللهُ الأرض.
انتقلت العقيلة إلى جوار الله تعالى على أرجح الأقوال يوم الأحد لأربع عشرة مضين من شهر رجب سنة (62هـ)، وقد آن لقلبها الذي مزّقته الكوارث أن يسكن ولجسمها المعذّب أن يستريح، نعم إنّ ما انحنت عليه الأضلاع هو ذلك العلم المُفاض عليها من ساحة القدس الإلهي لا بإرشاد معلّم أو تلقين مرشد مع البلاغة في المنطق والبراعة في الإفاضة، كأنّها تُفرغ عن لسان أبيها الوصيّ(عليه السلام)، وكما قال في حقّها الإمام السجاد(عليه السلام): (عالمةٌ غير معلَّمة وفهمةٌ غير مفهَّمة).
وحان الأجل الموعود للقاء ربّ الملائكة والروح، فأسلمت روحها الطاهرة في الخامس عشر من شهر رجب سنة اثنين وستّين للهجرة، ودُفنت في دمشق التي تُسمّى اليوم بمدينة السيدة زينب(عليها السلام)، حيث مرقدُها شاخصٌ شامخٌ هناك يؤمّه الزائرون من شتّى أنحاء العالم.

التالي السابق